بحث ملخص عن غَزوة الخَندق |
غزوات النَبي صلى الله عليه وسلم علامة مضيئة في التاريخ الإسلامي، و غَزوة الخندق إحدى أهم هذه العلامات البارزة، ومن خلال هذا البحث نحاول قدر الإمكان كتابة بحث شامل عن أحداث غَزوة الخَنْدق والأسباب التي أدت إلى وقوع هذه الغزوة.
كما نسرد أحداث الغزوة بشيء من التلخيص بحيث لا ندع الأحداث الهامة إلا ونذكرها ونمر على الأحداث البسيطة.
غَزوة الخَنْدق
وقعت أحداث هذه الغزوة في شهر ذي القعدة من السنة الخامسة بعد الهجرة ، وهناك قول أنها وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة، وكان المحرّك لها يهود بَني النضير بعد إجبار المسلمين لهم على الخروج من المدينة ليسكنوا أرض خيبر عقاباً على خيانتهم وغدرهم ، مما أثار في قلوبهم مشاعر الحقد والغيظ ، فأخذوا يكيدون المؤامرات والدسائس للقضاء على المُسلمين، وإنهاء سيطرتهم على المدينة.
وتُسمّى أيضاً بغزوة الأَحزاب؛ لِتحزُّب وتجمُّع بعض الطوائف من الأعداء لمحاربة المُسلمين.
ما سبب غَزوة الخَندق
فسبب غَزوة الخَنْدق أو غَزوة الأَحزاب هو أن اليهود بعد ما أجلاهم الرسول صَلى الله عليه وسلم من المدينة ونزلوا خيبر أصابهم حنق وحقد إضافة إلى حنقهم وحقدهم بسبب حسدهم للنبي صَلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
فراحوا يحرضون كفار قريش وقبائل الأَحزاب على الرسول صَلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقولون لهم نحن معكم واليهود الذين في المدينة معكم.
وسافر بعضُ ساداتِ يهود بَني النّضير، كَحُييّ بن أخطب وغيره، وبعض سادات بَني وائل، كهوذة بن قيس الوائليّ وغيره، إلى مكّة وتحريض قُريشٍ على حرب المُسلمين والقضاء عليهم.
واجتمع من الأَحزاب حوالي 10000 مقاتل لقتال النَبي صَلى الله عليه وسلم وأصحابه، وحاصروا المدينة نصف شهر، حيث منعهم الخَنْدق من الدخول، ثم صرفهم الله عن المُسلمين بالريح والملائكة، وكفى الله المؤمنين القتال، ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا.
معلومات عن غزوة الخندق
موقع غزوة الخَنْدق
أولاً وقبل البدء في أحداث الغزوة لابد من معرفة بعض المعلومات حول غَزوة الخَنْدق ومنها موقع الغزوة وأين مكان الخَنْدق الذي تم حفره.
وقعت الغزوة في يثرب (المدينة المنورة)، وكانت المدينة محاطة من المشرق والمغرب بالحرتين ومن الجنوب بالبنيان والحرار والبساتين.
وكان المنفذ الوحيد الذي يمكن للأحزاب أن يدخلوا منه هو الجهة الشمالية فحفر الخَنْدق من الشمال من الحرة الشرقية من أجمة الشيخين إلى طرف الحرة الغربية عند المذاد وجبل بني عبيد، ووزع الحفر بين المجاهدين فأعطى لكل عشرة منهم أربعين ذراعا يحفرونها.
ويمكنك مشاهدة الصورة التالية كوصف كروكي لمكان حفر الخَنْدق وموقع المدينة والمُسلمين وجيوش قريش.
مكان حَفر الخَندق |
كم كان طول وعمق وعرض الخَندق
جاء في كتاب: أطلس السيرة النبوية للدكتور شوقي أبو خليل: أن طول الخَنْدق الذي تم حفره كان طوله 5544 متراً ومتوسط عرضه 4.62 متراً، ومتوسط عمقه 3.23 متراً.
ويقال أن المدة التي استغرق فيها حفر الخَنْدق هي ستة أيام.
من الذي أشار على المُسلمين بحفر الخَندق
بعد أن وصل خبر تحالف الأَحزاب ضد المُسلمين إلى رسول الله صَلى الله عليه وسلم، اجتمع الرسول بالصحابة وتشاورا فيما يمكن أن يفعلوا مع هذه الجيوش.
فكان الرأي الغالب هو الخروج لملاقاة هذه الجيوش ومنعهم من دخول المدينة بالحرب والقتال.
لكنّ الصحابي سلمان الفارسيّ رضي الله عنه كان له رأيٌ آخر ، حيث أشار على النَبي صَلى الله عليه وسلم بحفر خندقٍ كبير كما كانوا يفعلونه في أرض فارس.
فأُعجب النَبي صَلى الله عليه وسلم بفكرته، وأمر بحفر الخَنْدق في شمال المدينة على غزو المدينة فلما وصل الخبر للنبي صَلى الله عليه وسلم استشار أصحابه فأشار سَلمان رضي الله عنه بحفر الخَنْدق.
كم عدد جيش المُسلمين وجيش الكفار في هذه الغزوة
كان عدد جيش المُسلمين في غَزوة الخَنْدق لا يزيد عن 3000 مقاتل، بينما اجتمعت الأَحزاب من قريش ويهود بني قريظة وقبائل غطفان وأسد من بني سليم، وفزارة، وأشجع حتى بلغ عدد جبوش المشركين حوالي عشرة آلاف مقاتل.
ملخص أحداث غزوة الخندق
جاءت الأخبار إلى النَبي صَلى الله عليه وسلم بتحالف الأَحزاب على المُسلمين وتحركهم في اتجاه مدينة رسول الله، فاجتمع على الفور بالمسلمين من المهاجرين و الأنصار وتشاورا حتى استقرا على رأي الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخَنْدق شمال المدينة.
لقد كانت خطة النَبي صَلى الله عليه وسلم في الخَنْدق متطورةً بالنسبة للعرب آنذاك، إذ لم يكن حَفر الخَنْدق من الأمور المعروفة لدى العرب في حروبهم، بل كان الأخذ بهذا الأسلوب غريبًا عنهم.
وبهذا يكون النَبي محمد صَلى الله عليه وسلم هو أولَ من استعمل الخَنْدق في الحروب في تاريخ العرب والمُسلمين، فقد كان هذا الخَنْدق مفاجأة مذهلة لأعداء الإسلام، وأبطل خطتهم التي رسموها.
ووصلت جموع الأَحزاب إلى المدينة ، ليفاجؤوا بوجود خندقٍ يحول بينهم وبين اقتحامها ، فلم يكن أمامهم سوى ضرب الحصار على المُسلمين ، والبحث عن فرجةٍ تمكنهم من الدخول، لكنّ المسلمين كانوا يقظين لمحاولاتهم ، فكانوا يرمونهم بالسهام لمنعهم من الاقتراب .
واستمرّت المناوشات بين الفريقين طيلة أيام الحصار ، تمكّن خلالها خمسةٌ من المشركين من اقتحام الخَنْدق ، فقُتل منهم اثنان وفرّ الباقون ، واستُشهد بعض المُسلمين ، كان منهم سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي أُصيب في ذراعه ، فدعا الله عزوجل أن يطيل في حياته حتى يقرّ عينه في بني قريظة ، فاستجاب الله دعاءه ومات بعد أن حكم فيهم بحكم الله .
ومن ضمن الذين عبروا الخندق عمرو بن عبد ود العامري القرشي الذي استطاع أن يعبر الخندق بفرسه وطالب المبارزة فخرج له الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ودارت بينهما مبارزة طاحنة انتصر فيها علي رضي الله عنه وقتل ابن ود.
اقرأ في: من الرجل الذي هزم عمر بن الخطاب وقتله علي بن أبي طالب
ملخص أحداث غَزوة الخَندق |
حصار المشركين
وطال الحصار من جيوش الأَحزاب حول الخَندق واشتدّ البلاء ، فرفع النَبي عليه الصلاة والسلام يديه إلى السماء وقال : ( اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأَحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم ).
فاستجاب الله دعاء نبيّه صلى الله عليه وسله ، وساق له الفرج من حيث لا يحتسب ، فأقبل نعيم بن مسعود الغطفاني معلناً إسلامه واستعداده لخدمة المُسلمين ، وقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذّل عنّا إن استطعت ؛ فإن الحرب خدعة ).
فذهب نعيم إلى بني قريظة واستطاع إقناعهم بضرورة أخذ رهائن من قريشِ وحلفائها تحسّباً لأي انسحابٍ مفاجيءٍ منهم ، وبذلك يضمنون استمرار الحرب ، ثم ذهب إلى قريشٍ وغطفان وأظهر لهم إخلاصه ونصحه ، وأخبرهم بندم اليهود على ما كان منهم من نقض للعهد ، وإبلاغهم النَبي عليه الصلاة والسلام بالعزم على أخذ رهائن من قريشٍ ودفعها إليه إظهاراً لحسن نيّتهم ، وهكذا استطاع أن يزرع الشكوك بين الأطراف المتحالفة ، مما أدّى إلى تفرّق كلمتهم ، وضعف عزيمتهم .
نصر المُسلمين
وتم النصر للمؤمنين عندما هبّت عواصفُ شديدة اقتلعت خيام الكفّار وأطفأت نيرانهم وقلبت قدورهم ، حتى أن أحدهم كان لا يرى يديه من شدة الرياح والأتربة.
وأنزل الله الملائكة تزلزلهم ، وتُلقي الرعب في قلوبهم ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) سورة الأَحزاب.
الصحابي الذي جاء بخبر قريش يوم الأحزاب
أراد النَبي عليه الصلاة والسلام أن يستطلع أخبار قريش وأتباعهم فأرسل النَبي الصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يستطلع الأخبار.
فرأى أبا سفيان وهو ينادي الناس بالرحيل ، فعاد حذيفة يُبشّر النَبي – صَلى الله عليه وسلم – بانسحاب الكفّار ، ففرح المسلمون بذلك فرحاً عظيماً ، وحمد النَبي – صَلى الله عليه وسلم – ربّه وقال : ( لا إله إلا الله وحده أعز جنده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده).
وانتهت المعركة بانتصار المُسلمين على الرغم من كثرة عدوّهم ، ودخل اليأس في قلوب كفّار مكّة من القضاء على دولة الإسلام ، وكشفت الغزوة عن حقيقة اليهود وحقدهم ، ومكر المنافقين وخبثهم ، وكانت سبباً في تحوّل موقف المُسلمين من الدفاع إلى الهجوم حتى استطاعوا خلال سنين قليلة من فتح مكة ، وتوحيد العرب تحت راية الإسلام .
من معجزات النَبي في غزوة الخَندق
وقعت في غَزوة الخَنْدق العديد من المعجزات التي أنعم الله بها على النَبي صَلى الله عليه وسلم وعلى المُسلمين ومنها:
تكثير طعام جابر بن عبد الله
روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، ائذن لي إلى أهل بيتي، فقلت لامرأتي: «رأيت بالنبي ﷺ شيئًا ما كان لي في ذلك عليه صبر، فعندك شيء؟»، فقالت: «عندي شعير وعناق» (العناق: هي الأنثى الصغيرة من الماعز).
فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم بالبرمة (القِدر)، ثم جئت النَبي ﷺ والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي (الحجارة التي تنصب ويجعل القدر عليها)، قد كادت أن تنضج، فقلت: «طُعَيمٌ لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان».
فسأله النَبي عن كمية الطعام فأجابه، فقال: «كثير طيب»، قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي». فقال: «قوموا»، فقام المهاجرون والأنصار.
فلما دخل على امرأته قال: «ويحكِ جاء النَبي ﷺ بالمهاجرين والأنْصار ومن معهم»، قالت: «هل سألك؟»، قلت: «نعم»، فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا»، فجعل يكثر الخُبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع فلم يزل يكسر الخُبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: «كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة».»
الصخرة التي حطمها النَبي
أثناء حَفر الخَندق اعترضت صخرةٌ الصحابةَ وهم يحفرون، فأمسك النَبي المعول وضربها ثلاث ضربات فتفتتت، قال إثر الضربة الأولى: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأُبصر قصورها الحمراء الساعة»، ثم ضربها الثانية فقال: «الله أكبر، أُعطيت مَفاتيح فارس، وَالله إنِّي لأبصر قصر المدائن أبيض»، ثم ضرب الثالثة، وقال: «الله أكبر أُعطيت مَفاتيح اليمن، وَالله إنِّي لأُبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة».
ومن كرم الله أن تحققت هذه البشارة التي أخبرت عن اتساع الفتوحات الإسلامية والإخبار عنها في وقت كان المسلمون فيه محصورين في المدينة يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد القارص.
اقرأ في: أحداث غزوة بدر كاملة | المعجزات التي حدث يوم بدر
اقرأ في: أقوى الفرسان في تاريخ العرب الجزء الأول
اقرأ في: تفاصيل صلح الحديبية بين المسلمين وقريش
اقرأ في: قصة الصحابي الذي دفنته الملائكة
المصارد
- كتاب البداية والنهاية لابن كثير.
- تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري.
- السيرة النبوية، ابن هشام.
ضع تعليقك هنا لتشارك في صنع المحتوى