اللقاء الأول بين الإمام مالك والإمام الشافعي |
الإمام الشافعي رحمه الله هو تلميذ الإمام مالك بن أنس فقيه أهل المدينة رحمه الله وصاحب الموطأ والاثنين لا غنى عن تعريفهما فكلاًمنهما له مذهبٌ من المذاهب الأربعة في الإسلام عند أهل السُنة ،لكن نحب أن نسرد عليكم قصة اللقاء الأول الذي جمع بين الإمام مالك والإمام الشافعي.
قصة اللقاء الأول بين مالك والشافعي
الإمام الشافعي حفظ القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين، ثم حفظ موطأ الإمام مالك وجمع من العلم الكثير، وبعد أن أتم أربعة عشر سنة أرادت أمه أن ترسله إلى المدينة المنورة ليتلقى العلم عن الإمام مالك نفسه فقد كان الشافعي يعيش في مكة المكرمة ولكن كان يعرف أن مالكاً سيرفضه لصغر سنه .
فذهبت به أمه إلى والي مكة وطلبت منه ان يرسل مع ابنها كتاباً للتوصية على الشافعي، فذهب محمد بن إدريس الشافعي إلى المدينة ومعه كتابه ليعطيه إلى والي المدينة وهو يتولى الأمر.
فأخذ والي المدينة الكتاب والغلام الصغير وذهب به إلى بيت مالك وطرق الباب، ففتحت جارية صغيرة فقال لها أخبري الإمام أن والي المدينة بالباب ، فذهبت ورجعت تقول : الإمام يقول إن كان لديكم سؤال فاكتبه وإن كنت تريد فتوى أو شيء بالعلم فأتي في المسجد.
فقال الوالي: أخبري الإمام أن معي كتاباً من والي مكة أريد ان يقرأه، فحضر افمام مالك وجلس على كرسي وقال : ماذا تريدون ؟
فرد الوالي معي كتاباً من والي مكة مضمونه أن هذا الغلام محمد بن إدريس الشافعي غلام يحفظ القرآن وحريص على طلب العلم فخلوه من طلابكم ، فرمى الإمام مالك الكتاب وقال :لا شُفعة في طلب العلم .
فتراجع والي المدينة ، ثم أخذ الشافعي الكتاب وقال يا مالك: خذ مني هذا الكتاب أنا ابنك محمد بن إدريس الشافعي القرشي ولدت يتيماً وحفظت القرآن وحفظت سنة نبيه وحفظت الموطأ الذي كتبته، وإني سمعت أمي وأنا عمري أربع سنوات تقول يا محمد أني لأرجو الله أن يجمع بك شمل هذه الأمة .
فأنصت مالك لكلام الغلام وأمسك بالكتاب وقرأه ثم قال يا غلام كيف صلتك بالعلم ؟
قال الشافعي : والله إني لأسمع الحرف وإني لأتمنى جسدي كله أذن .
قال مالك: كيف حصرك على العلم ؟
الشافعي: كحرص الأم التي ضيعت طفلها وذهبت تبحث عنه .
مالك : أتحفظ كتاب الله ؟
الشافعي : أحفظه .
مالك: أتحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الشافعي : أحفظها .
فقال مالك : اقرأ علي من كتاب الله من قوله :إن الله فالق الحب والنوى.
فقرأ الشافعي وكان صوته جميلاً حتى بكى الإمام مالك ، ثم اختار له ستة مواضع أخرى من القرآن فقرئها الشافعي .
فقال مالك : حدثني عن حديث رسول الله وقولي ما جاء في الموطأ .
قال الشافعي : سألني ستة مواضع في الموطأ فأجبته من فوري .
فقال مالك: يا محمد يا بني إن صحت فراسة مالك فإني أرى في وجهك نور العلم ، وإن كنت ذا فراسة فأنت أحد أوعية العلم وعلماء الإسلام، ولكني أنصحك يا بني أن تتجنب المعصية فإنها تفقدك العلم وحلاوته والله يقول :"وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ".
وإني سأقبلك ولكن ليس لشُفعة الوالي ولا حضور هذا الوالي ولا الحشد الذي معه ، سأقبلك لما تحفظ في صدرك من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فإذا أصبح الصبح فأتي إلى مسجد رسول الله.
اللقاء الثاني بين الإمام مالك والإمام الشافعي
يقول الإمام الشافعي دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وصليت العصر ثم اقتربت من القبر وسلمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت مالك بن أنس جالساً بالروضة الشريفة وحوله تلاميذه يُحدثُ لهم بأحاديث رسول الله ويقول حدثنا نافعٌ عن ابن عمر عن صاحب هذا القبر ووضع يده على قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الشافعي فلما رأيت ذلك هِبْتهُ مهابةً عظيمة لأنه يعلوا بسنده إلى النبي بإسناد عاليٍ جداً، وجلست حيث انتهى بي المجلس والطلاب يكتبون وأنا ليس معي قلم ودفتر لأكتب وراءه.
فأخذت عوداً من الأرض فكلما قال مالكٌ كلمة كتبتها بريقي على يدي (يبل القلم بلعابه ويكتب على يده) والإمام مالك يراه دون أن يراه الشافعي حتى انتهى من المجلس وانصرف الناس ولم ينصرف الشافعي ، فأقبل عليه الإمام مالك وقال له يا غلام : أحرمي أنت ؟(أي من الحرم المكي) فقال الشافعي : نعم .
قال مالك :أمكي أنت ؟
الشافعي : نعم مكي .
أقرشي أنت ؟.
الشافعي : قُرشي .
الإمام مالك : كمُلت أوصافك ولكن فيك إساءة أدب .
الشافعي : وما الذي رأيته من سوء أدبي ؟
مالك: رأيتك وأنا أملي ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم وأنت تلعب بريقك على يدك .
الشافعي: عدمت البياض (أي ليس معي ورق) فكنت أكتب ما تقول ، فجذب الإمام مالك يد الشافعي فلم يجد عليها شيئاً ، فقال الشافعي : إن الريق لا يثبت على اليد ولكن فهمت جميع ما حدثت به منذ جلست وحفظته إلى حين قطعت.
فقال مالك: أعد علي ولو حديثاً واحداً.
قال الشافعي : حدثنا نافعٌ عن ابن عمر عن صاحب هذا القبر وأشرت بيدي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما أشار مالك حتى أعدت عليه خمسين حديثاً من حين جلس إلى وقت قطع المجلس وسقط القرص (أي أقبل الليل).
فصلى مالك المغرب وأقبل على الشافعي قال خذ بيد سيدك إليك وقم معي ، فقام معه الشافعي وذهبا إلى منزل مالك ، فلما وصلا قال مالك : القلبة من هذا الاتجاه وهذا إناء فيه ماء وهذا بيت الخلاء.
وعلى هذا استمر الشافعي مع مالك حتى أخذ عنه العلم وصار فقيهاً يحدث الناس ويُفتي لهم وهو ابن الخامسة عشر سنة بعد سنة واحدة من جلوسه مع مالك بن أنس رحمه الله.
وكان الشافعي كثير الحب والامتنان إلى الإمام مالك وكثيراً ما يُثني عليه ويقول :رحم الله مالكاً إنه نجم العلماء وزينة الفقهاء والمحدثين وما أحد أمَنَّ من مالك. رحم الله العلماء والأئمة ونفعنا بعلمهم وجزاهم عنا خير الجزاء.
اقرأ في :مناظرة الإمام الشافعي مع المعتزلة
اقرأ في:نكبة البرامكة والخليفة هارون الرشيد القصة الكاملة
اقرأ في : تفاصيل الصراع بين الأمين والمأمون
ضع تعليقك هنا لتشارك في صنع المحتوى