المدينة الفاضلة عند أفلاطون pdf
بداية يجب القول أن أفلاطون بفلسفته يمثل أحـد أهم ثلاثة أضلاع في الفلسفة اليونانية مع بدء بزوغ نجمها كفلسفة تعتمد على عملية إعمال العقل الخالص على يد سقراط وذلك بعـد عدة محاولات قـام بها العـديد من المفكرين في أثينا واسبـرطه من أجل وضع قواعـد عمليـات إعمال الـعقل الخالص.
وأفلاطـون هو الابن الفكري والفلسفي المتميز لأبي الفلسفة اليونانية سقراط ، ولذلك نجد أنه قد تأثر كثيرا بأفكار أستاذه.
كما أنه - أفلاطون - تأثر كثيرا بعملية التغييرات السياسية والعسكرية التي كانت في عصره والتي بدأت بواكيرها في الظهـور نهایات عـصر أستاذه سقراط حيث انتهى الحال بسقراط إلى تعرضه للمحاكمة والحكم عليه بالقتل - انظر بالتفصيل للمؤلف كتاب سقراط وفلسفته.
ولا شك أن تلك المحاكمة التي تعرض لها سقراط كان لها أكبر الأثر في توجيه تفكير أفلاطون نحو فكرة العـدالة المطلقة والمدينة المثالية أو الفاضلة. وهي تلك المدينة التي ينعم أفرادها بالعدل المطلق طبقـا لقوانين معروفة لهم مسبقا.
ولذلك يمكن القول أن فلسفـة أفلاطون إن هي إلا ذلك الصدى الفكرى والعقلي للزخم العسكري والسياسي التي مرت بها اليونان في فترة شبابه .
بل يمكن الجـزم بأن فلسـفته هي ثمرة حرب البيلوبونيز التـي مزقت أطراف بلاده منذ نهاية القرن الحـامس قبل الميلاد وهي تلك الحرب التي قامت بين أثينا وإسبرطة ثم امتدت نيرانها لتشمل كل المدن التي تكونت منها اليونان.
ولذلك نجد أن فلسفته ظهـرت في مناخ أقل ما يمكن وصفه به بأنه مناخ يتسم بالاضطراب والغـمـوض في الرؤية، حيث إن القـول الفضل فيـه للأقوى.
ومن ثم فإن رؤية أفلاطون لعـصره إنما كانت رؤية تعبـر عن ذات العصر الذي عاش فيه ذلك العصر الذي رآه أفلاطون عصراً يتميز بالقسوة والظلم وأيضا بالظلام.
ولهذا لم يكن أمامه كمفكر فيلسوف سوى أن يحتمي بذاته من أجل أن يفهم مـا يدور حوله خاصة في ظل مأساه أستاذه ومعلمه أرسطو الذي تم محاكمته محاكمة صورية كان الحكم بالإعدام عليه معد سلفا.
وبالتالي ومن خلال هذا الواقع الذي عاشه بكل مراراته فإنه قد شعر بأنه حتى يتم حل مشكلته كفيلسوف فإنه يجب عليه أولا أن يحل مشكلة العدالة السياسية في المجتمع.
لتحميل كتاب المدينة الفاضلة عند أفلاطون pdf اضغط هنا
ملخص كتاب المدينة الفاضلة
وقد ذكر أفلاطون بنفسـه حـدود المشكلة التي عـاشهـا على المستـوى الشخصى وكذلك على المستوى العام لبلاده حيث قال: « عندما كنت يافـعا أحسست بما يحسه أغلب الشـباب إذ كنت أتوق إلى ذلك اليوم الذي استطيع فيه التصرف في مصيرى والاشتـراك في العمل السياسي وهاك الحال التي وجدت عليها أمور الدولة ».
لقد سقطت الحكومة وقامت ثورة تسلم الحكم على أثرها واحد وخمسون رئيسا أحـد عشر في المدينة وعشـرة في ميناء البيرايوس ، أمـا السلطه العليا المطلقة فقد كانت في يد ثلاثين.
وقد كان بينهم كثيرون من أقاربي ومعارفي - كان بينهم كرتياس وهو ابن عم لوالدته، وكذلك خـاله - خال أفلاطون - خـارميدس - ولقـد دعونی لاختيار ما يناسبني من مناصب وكنت أعول عليهم الكثير من الآمال لكنهم للأسف خيـبوا أملي إذ لم يكونوا خيرا ممن سبقوهم ومن فظائعهم أنهم أرادوا دفع سقـراط الذي أعده أفـضل رجال عـصره إلى القبـض على أحد المواطنين وإعدامه ولكنه رفض الاشتراك في جرائمهم.
لذلك انصرفت عن حكمهم الذي سرعان مـا أودت الأيام به، وحدثت تقلبات سياسية أخرى لكنني وجـدت الحكام يقدمون سقراط صديقنا إلى المحاكمة ويتهمونه بأسوأ التهم فيـدينون ويعدمون ذلك الرجل الذي رفض القبض على أحد أصدقائهم.
ووجد أن مدينتنا لم تعد تحكم تبعا لتقاليدها القديمة حتى فسدت القوانين والأخلاق إلى أبعد حد وبقيت انتظر فرصه تسنح لی كي أتدخل في توجيه الأمور.
لكنى انتهيت إلى أن جميع الدول الحالية قد ساء حكمها، فلجأت إلى الفلسفة استضىء بنورها حتى اتبين ما هي العداله سواء في المجتمع أو في حياة الفـرد وانتهيت إلى أن المصائب لن تنتهى من حياة البشـر ما لم يتول الفلاسفة الحيقيقون الحكم أو يتحول الحكام بفضل الله إلى فلاسفة حقيقيين.
وطبقا لكلام أفلاطون ورؤيته للأحداث التي عاصرها فأننا نجد أن أمله قد خـاب وعارض تلك الديمقراطيـة التي إدعاهـا الطغاة الثلاثين والتي من خلالها استطاعوا قتل أستاذه ومعلمه أرسطو.
وكان لهـذا الحكم القمعي الذي اتخذ من الديمقراطية ستـارا له وكذلك إعدام أستـاذه سقراط أكبـر الأثر في توجيه فكره نحو ضـرورة العمل على الإصلاح من خلال الاعتماد على الفلسفة.
لكنه في الوقت نفسه لم يركن إلى الاعتماد على الفكر النظري الخالص بل نجده يعمل على خوض غمار الحياة من أجل العمل على التطبيق الفعلي لأفكاره الفلسفية وكذلك لآرائه السياسية.
وكان أول تصرف قد بدر منه عقب اغتيال أستاذه أرسطو عن طريق حكم قضائی تشوبه من كل جهة الشبهات وعدم قدرته على تقديم أي عون فعال لأستاذه قراره بالسفر إلى إقليـدس أكبر تلامذة سقراط سنا في ذلك الوقت، حيث كان يعيش في مدينة ميجاوا. وبعد ذلك اتجه إلى أسفار متعددة ومن البلاد التي زارها مصـر، حيث كتب كثيراً عن علومها وفنونها وثقافتها.
غيـر أنـه يمكن القـول أن أهم تـلك الرحـلات التي أثرت في تكوين الفلسفى وبناء آرائه السياسيـة هي زياراته المتكررة لكل من إيطاليا وصقلية ويمكن القول أن الأثر الأكبر تركتة صقلية فيه، وذلك لأنه استطاع أن يقيم علاقات طيبه مع حـاكم مدينة سيراقوصه الصقلية، حيث كان يحكمها في ذلك الوقت الملك ديونيوس الأول.
وبتكرار جلساته مع الملك ديونيسوس الأول توطدت علاقات الصداقة صهر الملك الذي اقتنع تماما بما يقوله أفلاطون من أفكار حول المدينة الفاضلة عند أفلاطون والعدالة المطلقة.
ونتج عن هذا التقـارب الفكرى أن قرر صهـر الملك ديونيسوس بمساعدة أفلاطون أن يقومـا بمؤامرة لقلب نظـام حكم الملك ديونيسوس الأول لكن تلك المحاولة الانقلابية فشلت.
وكان رد فعل الملك ديونيسوس الأول تجاه أفلاطون هو قيامه بتسليم أفلاطون إلى سـفير إسبرطه في صقلية، ومن ثم أصـبح أفلاطون في واقع الحال أسيرا لدى ألد أعداء دولته أثينا.
اقرأ في: تحميل رواية الجريمة والعقاب لدوستويفسكي
اقرأ في: تحميل كتاب ألف ليلة وليلة
اقرأ في: تحميل رواية أوليفر تويست العالمية
وما كان من سفير إسبرطه إلا أن قرر أن يعرض أفلاطون للبيع في سوق النخاسة والذي انقذ أفلاطون من البقاء في حياة العبودية هو صديقة انكيرس الذي اشتراه من تاجر العبيد.
وهكذا استـرد أفلاطون حريتـه التي كانت على وشك الضيـاع وكان أول قرار قد اتخـذه بعد فك عبوديتـه هو العودة سريعا إلى مدينته أثينا، وهناك أسس فيها أكاديميته الفلسفية، حيث أقامها في حديقـة كبرى كانت تسمى باسم أحـد ابطال أثينا القـدمـاء وهو اكـاديمـوس ومن أسمـه اشـتق اسم الأكاديمية الفلسفية لأفلاطون.
وكان الغرض الأساسي لأفلاطون من تأسيسه لتلك الأكاديمية هو إعداد طبقة من الفلاسفة القادرين على نشر النظريات الاجتماعية والسياسية في كل أرجاء البلاد.
وللدلالة على مدى أهمية تلك الأكاديمية ليس في حياة أفلاطون أو أثينا القديمة فحسب ، إن أهميتها هيمنت على حياة الفكر الأوروبي بشكل عام، حيث ظلت تمارس مهام عملها الفكري والفلسـفى على مدار أكثر من عشرة قرون.
حيث أغلقت أبوابها رسيما في عام 529 ميلادي وذلك طبقا للقرار الذي أصـدره الإمبراطور جستنيان والذي يقـضى بضرورة إغـلاق كل المدارس الفكرية التي تنتمي إلى مذاهب وثنية ليكون العالم المسيحي خاليا من تلك الأفكار الوثنية .
اقرأ في: كتاب رسالة الغفران لأبي العلاء المعري
↚
نجاح جمهورية أفلاطون
وللدلالة عن مدى نجاح الأكاديمية في تحقيق أفكار وأهداف أفلاطون هو أن الأكاديمية لم يتخرج منها سياسيون يعتنقون أفكارا فلسفية معينة بل الأمر تعدى ذلك إلى أنه خرج منهـا العديد من المشرعين السياسيين والقانونيين.
ومن أبرزهم ديون في صقلية وبتون وهيراقليد في تراقيا، وكذلك أودوكس وأرسطو الذين قاما بالتشريع القانوني والسياسي لكنيدوس وأسطاغيرا. وجدير بالذكر أن أفلاطون كـان يقوم بإلقـاء محاضـرات خاصة لـطلبه الأكاديمية بالإضافة إلى المؤلفات الأخرى التي كان يكتبها للعامة من الناس .
وتعتبر محاورة الجمهورية - وهي من المؤلفات التي كتبها أفلاطون للعامة - فإنها تعد في الحقيقة من أهم ما كتبه أفلاطون نظرا لما احتوته من نظريات مختلفة ارتبطت ببعضها البعض في منظومة متناغمة من أجل تكوين نظرة عامة لحياة الإنسان والمجتمع وبحيث تكون تلك النظرة ذات أثر في وصول المجتمع إلى مرحلة العدالة طبقا لمنظور ورؤيه أفلاطون .
وللدلاله على مدى أهمية ما كتبه أفلاطون في الجمهورية أن أثرها تغلغل كثيرا في وجدان الفكر الأوروبي وأبرز مثال على ذلك هو ما كتبه شبشرون وأيضا امتد أثر كتاب الجمهورية إلى الفكر الإسلامي، حيث ظهر أثرها في كتاب الفارابي الشهير المدينة الفاضلة.
وعلى ذلك أرجو أن أكـون قد وفقت في عرض أفكار أفلاطون بما تمثله من زخم فكرى وثراء فلسفى ورؤى تعبر عن واقع بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع جوهر آرائه.لتحميل كتاب جمهورية أفلاطون المدينة الفاضلة اضغط هنا
اقرأ في: بين تهافت الفلاسفة وتهافت التهافت حرب الفلاسفة
اقرأ في: تحميل سلسلة عبقريات العقاد pdf
ضع تعليقك هنا لتشارك في صنع المحتوى