قصة ظهور الخوارج كاملةفي حديثنا عن سلسلة الفتنة الكبرى ذكرنا على هامش الأحداث فرقة الخوارج بشيء موجز ولكن لم نتعرض تفصيلاً للخوارج ومذهبهم وفرقهم. وقد تسلسلت هذه الأحداث حتى وصلنا مع أمير المؤمنين إلى نهاية معركة صفين وقد رأينا ما جرى فيها من أحداث عظيمة وما جرى من أمر التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. |
فكانت من نتائج معركة صفين والتحكيم بخروج فرقة منحرفة هي فرقة الخوارج ، هذه الفرقة فرضت نفسها على الأحداث وكانت سبباً في إثارة البلبلة والقلاقل في أمة الإسلام.
وعطلت اجتماع الصحابة وعرقلة خلافة سيدنا علي رضي الله عنه عن بناء الدولة وتنميتها ففي فترة سيدنا علي رضي الله عنه لم يُفتح فتح واحد في الإسلام.
والآن جاء الوقت للحديث عن فرقة الخوارج وكيف كانت نشأتهم وما هي فرق الخوارج ومذهبهم وموقفهم من أهل السنة.
من هم الخوارج وما هو اعتقادهم وأشهر فرقهم |
من هم الخوارج وكيف ظهرت ولماذا سموا بهذا الاسم
الخوارج
الخوارج فرقة من فرق المسلمين ظهرت في أواخر خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه لكنهم انتشروا وذاع صيتهم في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه عقب معركة صفين والتحكيم.
تلك الواقعة التي حدثت بين علي ومعاوية، ويمكن أن نقول أن ميلاد فرقة الخوارج هي معركة صفين، واشتهرت الخوارج بالمُغالاة في الدين والتكفير حتى أنهم كفَّروا الصحابة وعامة المسلمين .
وقد قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله أن أول ظهور للخوارج كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين قسم الغنائم فقال بعضهم إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.
فهم دائم الخروج على حكم الإسلام وعلى أئمة المسلمين، لكن لم يخرجوا بالسلاح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما في عهد عثمان وعلي ومن جاء بعدهم.
لماذا سميت الخوارج بهذا الاسم
سُميت الخوارج بهذا الاسم لأنهم خرجوا على سيدنا علي وعلى حُكمه ،وسموا أنفسهم (أهل الإيمان) لكن عرفوا بين أهل السنة وبين فرق المسلمين الأخرى بالخوارج.
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة).
فيُعرفون الفرقة الناجية بأنها هي المتبعة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهي بقية السلف، والمتفردة باتباع الكتاب والسنة بين بقية الفرق التي عصفت بها الأهواء.
والخوارج بإجماع أهل العلم من الفرق الضالة المنحرفة وهم بداخلهم أكثر من فرقة أكثر من 20 فرقة.
كيف ظهرت الخوارج
الظهور الحقيقي للخوارج كما ذكرنا هي معركة صفين والتي دارت بين جيش علي بن أبي طالب وجيش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (اقرأ تفاصيل معركة صفين).
حيث أن الخوارج كانوا يقاتلون في صف علي بن أبي طالب وكانوا في صفه وجيشه، وبعد أن كاد جيش عي أن ينتصر توقف جيش معاوية عن القتال ورفعوا المصاحف على أسنة الرماح والسيوف وقالوا نحتكم إلى كتاب الله.
فأمر سيدنا علي جيشه أن يستكملوا الحرب ولا يتوقفوا -وهو الأعلم منهم بكتاب الله فهو يعلم أنهم شعروا بالهزيمة ويريد القضاء على تلك الفتنة-.
لكن جيش علي توقف عن القتال وقالوا نعم نحتكم إلى كتاب الله، وهنا اضطُر أمير المؤمنين إلى التوقف والتحكيم، فأناب عن علي بن أبي طالب أبو موسى الأشعري وأناب عن معاوية أبي سفيان عمرو بن العاص.
وهنا ظهرت فرقة الخوارج؛ الذين خرجوا على علي -رضي الله عنه - بل وكفَّروا علي -رضي الله عنه - فقالوا كلاماً خبيثاً.
كما وصفه سيدنا علي كلمة حق يراد بها باطل، قالوا إن الحكم إلا لله، فهذه كلمة حق ولكن يريدون بها باطل، وانفصلت فرقة الخوارج عن جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان عددهم يفوق العشرة آلاف رجل.
مذهب الخوارج
وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج ومذهبهم حيث قال فيهم: "يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" رواه البخاري، ومسلم.
فهم دائم الخروج على الإسلام وحكمه وعلى أئمة المسلمين ، اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظلم حين قال جدهم الأعلى ذو الخويصرة: "يامحمد اعدل فإنك لم تعدل".
وخرجوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتلوه، وظهروا بأبشع صورة في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولم يرجعوا حتى قتله العلج الخبيث عبدالرحمن بن ملجم.
وقد كفَّروا عثمان وعلي وعائشة وعامة المسلمين الذين لم يلحقوا بهم، وهذا هو مذهبهم التكفير والقتل للمسلمين كما وصفهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
قول ابن تيمية عن الخوارج |
أشهر مبادئ الخوارج
تنوعت فرق الخوارج الداخلية لإلى أكثر من عشرين فرقة لكننا نجد جميع الفرق تتفق في الأصول العامة لمذهبهم الفاسد و أشهر مبادئ الخوارج ثلاثة:
رأيهم في الإمامة
ترى الخوارج أنه يجوز للإمام أن يكون من أي قبيلة غير قبيلة قريش، والمقصود بالإمامة هنا هي الإمامة الكبرى التي تكلم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدد أن الإمامة تكون لقريش فقط وهذا ما يتفق عليه أهل السنة، وفي حديث عبدالله بن السائب أنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قدِّموا قريشاً ولا تَقَدَّموها ، وتعلَّموا من قريشٍ و لا تُعَلِّموها، ولولا أنْ تَبْطُرَ قريشٌ لأخبرْتُها ما لخيارِها عندَ اللهِ تعَالَى" ولقبيلة قريش مكانة عظيمة عند العرب في الجاهلية والإسلام ولها فضلٌ عند الله فمن ذريتهم خرج سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "قَدِّموا قُرَيشًا" في الآراءِ والإماراتِ، أو في الإمامةِ الكُبْرى ليس إلَّا.
موقف الخوارج من علي بن أبي طالب
ظلت الخوارج في صف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحاربوا معه في أكثر من موقعة حتى حدث التحكيم فظهروا على حقيقتهم وأعلنوا العصيان والخروج عليه.
وكفَّروه هو وجمع كبير من الصحابة وأم المؤمنين عائشة حتى وصل بهم الأمر إلى تكفير كل من هو ليس معهم من عامة المسلمين.
القول بخلود صاحب الكبيرة في النار
مذهب الخوارج في أصله التشدد والمُغالاة، فهناك إجماع من الخوارج على أن كل كبيرة كفر، إلا "النجدات" فإنها لا تقول ذلك، وأجمعوا على أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً.
وموقف الخوارج من صاحب الكبيرة وخلوده في النار يوافق رأي المعتزلة، وإن افترقت عنهم المعتزلة في القول بأنه لا يعذب عذاب الكافرين والتوقف عن تسميته، ويخالفون رأي أهل السنة في جواز العفو عن مرتكب الكبيرة وعدم خلوده في النار، كما أن منهم من يقول بخلق القرآن.
لماذا خرجت الخوارج على سيدنا علي
حين أزعن الإمام علي رضي الله عنه للتحكيم و أناب عنه أبو موسى الأشعري وخلع نفسه من إمارة المؤمنين فجاءت الخوارج بعدة أسباب لخروجهم عليه وتكفيرهم له وهي كالآتي:
- حكَّمْت الرجال في دين الله والله يقول: "إن الحكم إلا لله" (يقصدون بالرجال أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص).
- خلعت نفسك من إمارة المؤمنين إذاً فأنت أمير للكافرين، وطلبوا من علي أن يعترف بالخطأ بل وبالكفر.
- قالوا قاتلت أقواماً ولم تغنم أموالهم ولم تسبي نسائهم، فإذا كانوا مسلمين فحرام عليك قتالهم، وإذا كانوا كافرين فلم لم تغنم أموالهم ونسائهم؟
هذه أسباب خروج الخوارج على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد ذهب إليهم عبدالله بن عباس رضي الله عنه وناظرهم فيها وأخرس حجتهم، وقد وضحنا تلك الجزئية في مقال التحكيم بين علي ومعاوية.
ما هي أشهر فرق الخوارج
فرق الخوارج من أشد فرق المسلمين دفاعاً عن مذهبها وحماساً لآرائها وغلواً في عبادتها وتضحية في سبيل عقيدتها، أخلصوا لباطلهم إخلاصاً منقطع النظير، كان أكثرهم من العرب الخُلًّص الذين اعتادوا على الخشونة وجفاء العيش.
وتنقسم الخوراج إلى فرق كثيرة يجمعها القول بالتبرأ من عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأشهرهم:
الإباضية
هم أتباع عبد الله بن إباض التميمي، عاش في النصف الثاني من القرن الأول الهجري وهو تلميذ التابعي جابر بن زيد الذي يرى الإباضية المعاصرين أنه المؤسس الأول للمذهب وأنهم نسبوا لابن إباض لأنه أول من هجر بالآراء السياسية المعارضة للحكم الأموي.
الأزارقة
هم أتباع نافع بن الأزرق الذي كان من بني حنيفة، وكانوا أشد فرق الخوارج عنفاً وتطرفاً، وأكثرهم عدداً وأعزهم نفراً.
وهم الذين تلقوا الصدمات الأولى من ابن الزبير والأمويين، وقد قاتل الخوارج بقيادة نافع قادة عبد الله بن الزبير، وقادة الأمويين تسع عشرة سنة.
النجدات
أتباع نجدة بن عامر الحنفي، وكان السبب في رياسته وزعامته أن نافع بن الأزرق لما أظهر البراءة من القعدة عنه بعد أن كانوا على رأيه، وسماهم مشركين واستحل قتل أطفال مخالفيه ونسائهم.وذهبوا إلى اليمامة فاستقبلهم نجدة بن عامر وأقاموا على إمامة نجدة إلى أن اختلفوا في أمور نقموها منه.
فلما اختلفوا صاروا ثلاث فرق: فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفي إلى سجستان، وفرقة صارت مع أبي فديك، وفرقة عذروا نجدة في أحداثه وأقاموا على إمامته.
الثعالبة
هم أتباع ثعلبة بن مُشْكان؛ وهؤلاء كانوا يقولون بإمامة عبد الكريم بن عجرد، ويقولون: إنه كان الإمام، إلى أن خالفه ثعلبة في التبرؤ من أطفال المسلمين، وبسبب هذا الخلاف، تبرأ أحدهما من صاحبه، وكان يكفر كل منهما صاحبه.الصفرية
أتباع زياد بن الأصفر، وقيل نسبة إلى عبد الله بن صفار أو النعمان بن صفر:
يقول عبد القاهر البغدادي في كتابه {الفرق بين الفرق}: (وقولهم في الجملة كقول الأزارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون، غير أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم، والأزارقة يرون ذلك).
ضع تعليقك هنا لتشارك في صنع المحتوى