قصص من حياة الحجاج بن يوسف الثقفي
الحجاج بن يوسف الثقفي أشهر أمراء بني أمية، شخصية تحيرت فيها الألباب والعقول من ذوي الهمم والرأي، فقد كان رجلٌ متعطش للدماء والقتل أول سبيل لإنهاء الفتن والخلافات مهما كانت بساطتها، والخليفة عمر بن عبدالعزيز بن مروان الخليفة الأموي الذي لُقب بالخليفة الخامس لعدله واقتدائه بالخلفاء الراشدين الأربعة الأوائل.
وقد صنعت الحياة بعض المواقف بين الحجاج بن يوسف الثقفي وعمر بن عبدالعزيز أثناء خلافة عبدالملك بن مروان وابنه الوليد بن عبد الملك وفي الخلافتين كان الحجاج من المقربين لبني مروان.
لكن كان للأمير عمر بن عبد العزيز رأياً مختلفاً في الحجاج مثل الكثير من الناس في ذلك الوقت، فلم يكن عمر بن عبد العزيز من طُلاب السلطة والجاه يصنع من أجلهما أي شيء ولكن كان رجلاً رحيماً تقياً لا يخشى في الحق لومةُ لائم.
ومن أشهر القصص التي قيلت في عمر بن عبدالعزيز والحجاج قصة جمعت بينهما أثناء ولاية الحجاج على العراق في خلافة عبد الملك بن مروان والقصة الأخرى عند موت الحجاج وما قال فيه عمر بن عبد العزيز.
اقرأ في (:خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي في أهل العراق (الكوفة والبصرة )
كان عمر بن عبدالعزيز قبل تولي الخلافة يرى أن الحكم يكون بالرحمة والعدل ولا مكان للقسوة والإسراف في القتل ولهذا كان دائم البُغض للحجاج بن يوسف الثقفي كما كان يبغضه أبوه عبدالعزيز بن مروان.
وفي يوم كان الحجاج داخلاً على عبد الملك بن مروان فصادف عمر بن عبدالعزيز على باب القصر فرمى عليه السلام فرد عمر السلام في غير رضى، فوقف الحجاج وقال له: ما بك يا عمر؟
فنظر إليه عمر بغضب، فاستدرك الحجاج نفسه وقال : أقصد أيها الأمير..بما نفروك مني هكذا وما بيننا ما يدعوا إلى النفور ؟!
عمر: أترى هذا؟ بل بيننا ما يدعوا إلى أكثر من النفور.
الحجاج: فما هو؟
عمر: إنك يا حجاج ظلومٌ غشومٌ حقودٌ كذوبٌ حسودٌ لدود.
الحجاج: أقِرُ لك بثلاثة وأنكر عليك اثنتين، فإني كما قلت لدود حسود حقود، وأقر بهم، لكنني ما كنت كذوباً وما كذبت قط، ولستُ بالغشوم وإلا ما بلغت عند أمير المؤمنين هذه المنزلة، فإن تصر عليها فكأنما تسيء الظن بتقدير أمير المؤمنين.
عمر: أهملت واحدة فلا اعترفت بها ولا أنكرتها.
الحجاج: الظلم! لأن الظلم والعدل والشدة واللين والقسوة والرأفة كلها بنات ساعاتها فألبس لكل حال لبوسها.
عمر: وإنك أكثرت من ظلم الناس وقسوت، فإلى متى تقتل الناس؟
الحجاج: إلى أن يقروا بالطاعة ويلتزمونها وإلا فأقتلهم بعصيانها، أما غير ذلك فإنها فريةٌ يفترون بها علي.
عمر: والله ما كان افتراء الناس بأشد وطأً بافترائك على الناس، اسمع يا حجاج إن الدماء التي تسفكها ستفيض بك يوماً فتحاصرك وتحصرك فتغرق فيها عندها لن تجد من ينتشلُك.
فانصرف الحجاج وذهب.
الفتنة الكُبرى مقتل عثمان بن عفان
الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان
موقعة صفين والتحكيم بين علي ومعاوية
ماذا قال عمر بن عبد العزيز عند وفاته |
ماذا قال عمر بن عبد العزيز عند وفاة الحجاج
الحجاج سفك من الدماء ما الله بها عليم ورُمي بالفسق وأجمع أهل زمانه على فسقه ومع ذلك كان يُعظم القرآن ويُعظم حفظته ويُجل أهل القرآن ويكرمهم، فلما أدركته المنية وحضر موته ألهمه الله أن يقول: اللهم إنهم يقولون أنك لن تغفر لي فاغفر لي وأنشد يقول من شعره:
يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا
بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ
أَيَحلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ؟ وَيْحَهُمُ
ما عِلْمُهُمْ بكريم العَفْوِ غَفَّارِ؟
فغبطه الناس على قوله هذا وأثنوا عليه ومنهم عمر بن عبد العزيزعلى هذه الكلمة الصادقة عند غرغرة الروح لأنها كلمة توفيق من الله أن يطلب من الرحمة عند موته، والإمام الحسن البصريّ رحمه الله علق على بيتي الحجاج قائلاً: "تالله إن نجا لينجونّ بهما" بل وتابع البصري قائلاً عن الحجاج:
لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج، سمعته يقول: (إن امرؤا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليه حسرته يوم القيامة).
اقرأ في: سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي
اقرأ في: قصص من حياة الحجاج بن يوسف الثقفي
قول ابن تيمية في الحجاج بن يوسف
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قولاً عن الحجاج بن يوسف مذكوراً في كتابه "الفتاوى" (3/278): وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ، وأما الحجاج بن يوسف فكان ظالما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء، ولكن كان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء.
وقال ابن تيمية أيضاً عن الحجاج في كتابه "السياسة الشرعية" (ص 143): فإذا كان المسؤول عن المسلمين مثل الحجاج بن يوسف فإنه لا يجوز لأحد أن يخرج عليه بالسيف أو بالقول ، بل يجب على المسلمين أن يصبروا على جوره حتى يرفعه الله عز وجل ، فإن الخروج عليه أضر بالدين والدنيا من صبر عليه.
ضع تعليقك هنا لتشارك في صنع المحتوى