هل ضرب النبي زوجاته ومتى يجب ضرب المرأة
تقع المشكلات كل يوم بين الرجل وزوجته منذ أن خلق الله الإنسان ،وكل إنسان منا يتصرف مع المشاكل الزوجية وفق معايير دينه وخُلقه وتربيته النابعة من المجتمع الناشئ فيه ،ونحن المسلمون نقتفي أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء وقد أمرنا الله بذلك فقال :
"لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" ،لكن كثيراً ما تتفاقم المشاكل الزوجية إلى درجة يصعب على الإنسان حلها فيخرج عن شعوره وتمتد يده بالضرب دون تفكير في العواقب أو مراعاة الله في تصرفه ودائماً وأبداً يتخذ الرجل آية النشوز حُجة على فعلته.
ومن المؤسف أن هناك بعض الرجال يتخذون من ضرب زوجاتهم مخرج من كل ضائقة أو مشكلة زوجية تحدث بينهما خاصة وإن كانت الزوجة ضعيفة التصرف لا حسب لها أو أهل يدافعون عنها ،ولا يلقي الرجل باله إلى قول الله تعالى :"فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ" ،كما أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة لنا وهذا موضوع مقالنا اليوم حول حياة رسول الله الزوجية مع زوجاته .
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب زوجاته إذا وقع خلاف بينهم ؟ ،وإذا حدث منه فعل الضرب فكيف كان يضرب النبي زوجاته ؟ قبل الإجابة عن تلك التساؤلات يجب أولاً المرور على بعض النقاط حول ضرب المرأة في الإسلام لتوضيح بعض الأمور الملتبسة على الناس.
هل ضرب النبي زوجاته ومتى يجب ضرب المرأة |
مفهوم ضرب الزوجة في الإسلام
ذكر الله سبحانه وتعالى لفظ "واضربوهن" في سورة النساء إشارة إلى ضرب الزوج لزوجته واختلف بعض أهل العلم في تفسير كلمة الضرب فقال بعضهم أن المقصود بها هو الإبعاد أي يبتعد الزوج عن زوجته كقول الله سبحانه وتعالى :"فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ" (أي تم التفريق بينهم بسور والإبعاد بينهم بسور)، فمن هنا قال بعض العلماء ليس المقصود بالضرب هو الضرب باليد أو بشيء مادي ولكن هو ضرب معنوي.
والقول الراجح والذي أجمع عليه أهل العلم أن لفظ واضربوهن المقصود بها المعنى المعروف وهو الضرب باليد أو بشيء مادي، فمن آدم عليه السلام إلى الآن يقترن الضرب دائماً بالشجار بين الأزواج فإذا ورد لفظ الضرب في آية مثل آية النشوز لابد أن يكون المقصود هو الضرب بمعناه الحقيقي المعروف.
ويقول الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه: الله سبحانه وتعالى هو خالق الرجل وخالق المرأة وهو العالم بصنعته، ولولا يقين الله تعالى أن هناك أشياء في الزوجة لا تستقيم إلا بالضرب ما أقره عليها في القرآن ولكن! هل الضرب هنا هو الضرب المُبرح أو الضرب الذي يحدث إتلافاً بالجسد كما نسمع ونرى الآن؟ بالطبع لا، فالغرض من فعل الضرب هو حث المرأة على عدم النشوز والقيام بواجباتها وليس إحداث أي ضرر جسدي بها.
فالضرب لا يكون إلى بالسواك أو شيء يشبهه ولا ترتفع اليد عن الكتف عند الضرب أو كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أمنا عائشة رضي الله عنها فضربها لكمة في صدرها أحدثت ألماً ولمن لم تحدث ضرراً وهذا ما سنذكره تفصيلاً.
ولكن قبل النقاش والجدال حول قضية ضرب الزوج لزوجته لابد أن نلتفت إلى نقطة لماذا يلجأ الزوج إلى ضرب زوجته ؟ وما الذي تفعله المرأة كي تدفع زوجها إلى الضرب فمن المنطق أن لكل شيء سبب وإذا أعطت المرأة حقوق زوجها كاملاً فلماذا يلجأ الرجل إلى ضربها ؟
متى يجب ضرب الزوج لزوجته
ينبغي أولاً معرفة أن هناك مبدأ يقول من أمن العقوبة أساء الأدب ،فالإنسان الذي يسعى في الأرض دون ضابط أو حساب لابد أن يخطئ ويؤذي من حوله هذه هي طبيعة النفس البشرية ولهذا أرسل الله الأنبياء والرسل لهداية الناس وتنبيه البشر إلى تعاليم الله ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ضرب الصبي الذي لا يؤدي فرائض الله سبحانه وتعالى فقال في هذا المعنى:( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع).
هنا وضع النبي صلى الله عليه وسلم الضرب ضمن الحلول التي يمكن أن يلجأ إلى المُربي في تربية أبناءه ولكن وفق ضوابط ولابد أن يسبق الضرب النصح والوعظ وإلإرشاد، وأيضاً الزوج لا يلجأ إلى الضرب إلا عند الضرورة وعند الحاجة وعند عدم جدوى الوسائل الأخرى.
لأن الضرب قد يغيرها عليه أكثر وقد يسيئ أخلاقها ويسبب فراقها ويثير أهلها أيضاً، ولاسيما في هذا العصر، الضرب في هذا العصر يسبب مشاكل كثيرة، فينبغي للزوج أن لا يعجل وأن لا يسارع إلى الضرب إلا عند الحاجة وأمن العاقبة أمن العواقب السيئة.
فإذا كان ضربها يفضي إلى فراقه لها وإلى قيام أهلها عليه وإلى حصول مشكلة كبرى فينبغي تجنب الضرب والصبر على ما قد يقع من سوء الأخلاق، حتى يعجل الله الحال بطرق العلاج الذي هو الوعظ والتذكير أو الهجر، فالزوج ينبغي أن يكون حكيمًا؛ لأن الضرب يترتب عليه مشاكل، وربما أفضى إلى غير المطلوب، والمراد به التعديل، والمراد به أن تراجع خطئها فإذا كان الضرب يفضي إلى خلاف ذلك وإلى مزيد السوء وإلى مزيد المشاكل، وإلى تفاقم الأمور، فينبغي تركه وعدم فعله.
الحاصل: أن الضرب رخصة رخص فيها ربنا للتأديب إذا دعت الحاجة إليه بعدما قدم عليه من الوعظ والهجر وليس من الأفضل أن يسارع إليه أو يفرح به أو يتخذه علاجًا دائمًا لا، بل الأفضل أن يؤخر وأن لا يعجل جمعًا بين النصوص.
هل ضرب النبي زوجاته
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رحمة الله للعالمين ماضرب أحد ولا أذى أحد إلا بحقه فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
قصة النبي مع السيدة عائشة
والحديث الذي فيه واقعة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى زوجاته والتي هي أمنا عائشة أيضاً رضي الله عنها قصته أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا بلى، قالت: إنه كان في الليلة التي هي لي، فجاء ففتح الباب رويداً رويداً، ودخل رويداً رويداً، وحمل نعله تحت إبطه،فمشى على أطراف أصابعه وقالت فما هو إلا ريثما وضع جنبه على الفراش إلا قام مرة أخرى، وأخذ نعله رويداً رويداً ومشى رويداً رويداً وفتح الباب رويداً رويداً وانطلق، (حتى لا يزعج السيدة عائشة وهي نائمة).
قالت فتقنعت إزاري وانطلقت خلفه، فإذا به ذهب إلى البقيع (مكان دفن الموتى) وأخذ النبي يرفه يديه ويخفضها ثلاث مرات، ثم انحرف راجعاً فانحرفتُ فأسرع فأسرعت ، فهرول فهرولت ،فَأَحضر (أي ركض )فأحضرْتُ ، فَسبقتهُ فدخَلْتُ، فليسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ ، فَدَخَلَ ، فوجدها تحت الغطاء تتسارع أنفاسها من الجري فَقَالَ: مَا لَكِ يا عائشُ: قلْتُ: لَا شيءَ. قال: لتخبِرِيني أو ليخبِرنّي اللّطِيف الخبِير.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أنت وأمّي، فأخبرته. قالَ: فأَنتِ السواد الَّذي رأيت أمامي ؟ قلت: نَعم. فلَهدني في صدري لَهْدَةً أوجعَتنِي ، ثمَّ قَالَ : أَظننتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟ ( أي هل ظننت أني أظلمك بالذهاب إلى زوجاتي الأخرى في ليلتك )
قالت: مهما يكتمِ النَّاسُ يعلمه اللهُ نَعم، قَالَ: فَإِنَّ جِبرِيل أتاني حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضعتِ ثِيابكِ ، وظننت أَن قَد رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمرك أن تأْتِي أهل البقِيعِ فتستغفِر لهم.
قَالَتْ: قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدّيارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمستقدِمينَ منَّا والمستَأخرينَ، وإِنَّا إِنْ شاء اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ).
قول عائشة رضي الله عنها: ( فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ) يدل على الفعل الذي صدر منه صلى الله عليه وسلم، وهو مجرد "اللهد" الذي هو الدفع في الصدر، أو اللكز، وهو لا يرقى أن يكون في درجة الضرب الحقيقي الذي يراد به الإيجاع والتحقير.
اقرأ في: هل الأنبياء معصومون من الخطأ
اقرأ في: ماهى حقوق الزوجة على زوجها
اقرأ في: المرأة العصرية في قفص الاتهام
اقرأ في: لماذا ذبح سيدنا سليمان الصافنات الجياد "الأحصنة المجنحة"
ضع تعليقك هنا لتشارك في صنع المحتوى