قصة الزير سالم وحرب البسوس
قصة الزير سالم صاحب أطول حروب العرب |
من هو الزير سالم
يُعد الزير سالم من أبرز الشخصيات التي مرت على التاريخ العربي، وهو عدي بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل.
نسبه إلى قبيلة تغلب، هو فارس وشاعر عربي جاهلي شارك في العديد من حروب العرب في الجاهلية، لكن الحرب التي كان هو صاحبها حرب البسوس وهي الحرب التي كان يطالب فيها بثأر أخيه كليب من بني عمومته آل مُرة.
تميزت شخصية الزير سالم بالعديد من الصفات الغريبة، فكان من أشد الناس بأساً في الحرب والقتال وشاعر الشعراء، مُحباً للخمر والنساء إلى درجة الجنون، يعتز بكرامته ويضع لنفسه قوانينه الخاصة التي لا تخضع لأي قبيلة ولا تحترم إلى رغبته هو.
ألقاب عُدي بن ربيعة
عدي بن ربيعة كانت له ألقاب كثيرة وكل لقب يحمل معناه الخاص، كان أول ألقابه
سالم وذلك لأنه كان يخرج إلى الحرب أو الصيد فيعود سالماً دون إصابة، ثم لقبه الناس بالزير لأنه كان زير نساء يحب جلسات النساء في الحانات ولا يكتفي بزوجاته.
ثم لُقب بالمهلهل لأنه أول من رقق الشعر فقال الناس الزير قام بهلهلة الشعر، فكان اسمه بين العرب الزير سالم أو المهلهل.
إخوة الزير سالم
كان للزير سالم سبعة إخوة، ثلاثة إخوة من البنين ( وائل الملقب بكليب ، درعان، سَلَمه) وأربعة إخوة من البنات ( أسما ولقبها ضَباع ، الزهراء ، أم الأغر ، فاطمة).
زوجاته وأبنائه
تزوج الزير سالم العديد من النساء لكن أشهرهن هي حبيبة بنت عبدالله بن عمر بن مخزوم، وأنجب منها ليلى بنت المهلهل التي أنجبت شاعر المعلقات عمرو بن كلثوم التغلبي الشاعر الجاهلي الشهير، ويقال أن الزير سالم لم ينجب إلا البنات.
أصدقاء الزير
كان للزير أصدقاء كُثُر منهم همام بن مُرة زوج أخته أسما (ضباع)، وقد كانت تربطهم علاقة صداقة قوية جداً، فكانا أشبه بالأخوة، لا يخرج أحدهما إلى حربٍ أو صيد أو حتى في اللهو والشُرب إلا بمرافقة الآخر.
وكان له صديق آخر يسمى امرؤ القيس بن أَبَان كان تاجراً وتربطه بالزير علاقة طيبة وشاركه في حربه للثأر من مقتل كليب حرب البسوس.
اقرأ في: حرب البسوس أشهر حروب العرب
مقتل كليب بن ربيعة
تبدأ القصة الحقيقية للزير سالم بمقتل أخيه كليب وائل، فقد كان الزير يحب أخيه كليب حباً شديداً ولا يسمح لأحد أن ينال منه حتى بالكلام، وكان كليبٌ هذا رجل شديد العقل والاعتدال رغم كبريائه الذي يصل إلى حد التكبر أحياناً.
لا يرافق الرجال في اللهو والسعي وراء النساء، يرى في نفسه ملكاً ويجب أن يطيعه الناس كافة الكبير قبل الصغير، وكان كليب يحب ابنة عمه الجليلة بنت مُرة وقد خطبها من عمه مرة بن ذُهل.
وقد تقدم لخطبة الجليلة الملك حسان التُبَّع اليماني بشيء يشبه السبي لا الزواج، وكانت البسوس خالة الجليلة هي التي قدمت الجليلة للملك حسان للفوز برضا الملك وتوسيع تجارتها في أرض اليمن.
فأنكر كليب هذا الفعل وسعى من أجل قتل الملك حسان بحيلة ذكية هو وبنو قومه من تغلب وبكر، وبالفعل نجح في قتل الملك حسان وتزوج بالجليلة، بعدها نصبته قبائل تغلب وبكر وحلافائهم ملكاً عليهم.
فأراد كليب أن يحكمهم بالسيف والنار ولم يأخذ في اعتباره أنهم من العرب ولن يرضو بالذل والهوان على يده، فتمرد عليه الناس وامتلئ الغضب قلوب الجميع، فخرج عن طاعته الحارث بن عُباد سيد قبيلة بكر.
واستغلت البسوس خالة الجليلة بنت مرة هذه موجة الغضب هذه لكي تشفي غليلها بعد أن قتل كليب الملك حسان وقضى على أحلامها بالتقرب إلى الملك.
فنزلت البسوس في زيارة إلى ابنة أختها الجليلة في قصر كليب وأطلقت ناقتها سراب ترعى بأرض القصر وكان كليب قد حَرَّم المرعى في قصره، فلما رأى كليب الناقة صوب نحوها سهماً فقتلها.
وما إن علمت البسوس بمقتل الناقة سراب التي لم يكن لها مثيل بين العرب حتى أخذت تصرخ وتنتحب وجاءت إلى جساس بن مرة أخو الجليلة وقالت له يا جساس وقع الذل على خالتلك، وكان جساس ممن خرجوا على طاعة كليب، ولكن جساس لا يستطيع أن يبارز كليب فهو فارس لا يُشق له غبار.
فراقبه جساس حتى وجده يمشي وحده دون حراسة وصوب نحوه حربة في ظهره فخر صريعاً ، وانتر الخبر في أرجاء القبائل بأن جساس قتل كليب، ولم ينكر جساس فعله عندما سأله أبوه مرة بن ذُهل عن مقتل كليب فقال له يا أبتِ: إن ظُلم كليب وبغيه هو الذي دفعني إلى قتله، وبذلك أشعلت البسوس حربها التي استمرت أكثر من أربعين عاماً.
حرب الزير سالم مع ابن عباد الحقيقية
ثأر الزير لأخيه كليب وحرب البسوس
بعد أن انتشر خبر مقتل كليب وعلم الزير سالم بالخبر لم يصدق أن جساس يقدر على قتل كليب أو أن أحداً من الناس يقدر على ذلك، وما إن علم أنه قُتل غدراً حتى أقسم على أن يقتل بني بكر كلهم ولا يبقي منهم أحداً كبيراً أو صغيراً.
لكن العقبة الوحدية التي كانت أمامه هو همام بن مرة صديقه الوفي وأخيه الذي لم تلده أمه وصهره، فهو الأخ الأكبر لجساس ولا يمكن أن يقتله ولا يمكن أيضاً أن يتخلى عن ثأره، ومن ناحية أخرى لا يمكن لهمام أن يدع الزير يقتل أهله ولا يحرك ساكناً.
فتعانق الصديقان وافترقا إلى لقاء القدر، وحاول الكثير من سادات العرب إخماد نيران الحرب قبل أن تبدأ ومنهم الحارث بن عباد الذي كان من أقوى فرسان العرب بل وأقوى فارس في عصره، لكنه لم يستطع أن يوقف الزير عن ثأره واكتفى بأن اعتزل الحرب وقال جملته الشهيرة "هذه حربٌ لا ناقة لي فيها ولا جمل ".
واعتزل هو وأهله الحرب، وبدأت حرب البسوس بقيادة الزير سالم بين قبائل مرة من بني بكر وقبيلة تغلب، واستمرت حوالي 40 عاماً حتى كادت أن تفنى قبيلة بكر.
وقُتل فيها همام بن مرة وجساس بن مرة وجميع أبناء مرة بن ذهل، وبعد مرور سنوات من الحرب والدم، أراد الحارث بن عباد أن يوقف نزيف الدم هذا بين أبناء العمومة، فأرسل إبنه جُبير (ابنه بالتبني) إلى الزير سالم يطالبه بوقف الحرب والمصالحة، أو قتله بكليب وإنهاء الحرب.
فرفض الزير سالم طلب الحارث بن عباد، بل وغضب من رسالته واستهزء بها حتى أنه قتل جبير وهو يقول أقتلك بشسع نعل كليب، ولما علم الحارث أن الزير قتل ابنه بهذه الطريقة المهينة والمُذلة حتى أقسم على أن يدخل الحرب ولن يرفع يده عن تغلب حتى تكلمه الأرض، وأنشد قصيدته المشهورة قربا مربط النعامة مني.
نهاية حرب البسوس
بدأ الحارث بن عباد الاستعداد لدخول الحرب هو وقبيلته من بني بكر، وكان لايزال محتفظاً بقوته رغم ضعف نظره، ودخل الحرب التي حسمها بالنصر بعد أن استطاع أن يُطيح بالزير سالم من على ظهر حصانه ويكسر ظهره، ويقتل امرؤ القيس بن أبان.
وظل الحارث يقتل من بني تغلب حتى كادت أن تفنى تغلب، فصنع رجل من بني تغلب حيلة كي يوقف الحرب، حيث حفر نفقاً في الأرض في الطريق الذي يمر منه الحارث وقال له:
أبا منذرٍ أفنيت فأسْتَبْق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعضِ.
فقال له الناس أنت قلت أنك سترفع يدك عن تغلب إذا حدثتك الأرض وها قد خرج لك صوت من الأرض، عندها رفع الحارث يده عن تغلب وصالح، وانتهت تلك حرب البسوس الخبيثة، تلك الحرب التي قتل فيها الكثير من الرجال والفرسان.
اقرأ في: حرب داحس والغبراء
اقرأ في: مواقف كريمة من جاهلية العرب
مقتل الزير سالم
بعد أن كُسِرَ ظهر الزير كان يمشي يتوكأ على عصا بعد أن عاش فارساً شديد البأس، فقام الجرو بن كليب بتكليف اثنين من العبيد بمرافقته وقضاء حوائجه فى خلوته بجوار قبر كليب.
ولكن أصاب العبدين الملل منه فاتفقا أن يقتلوه ويبلغوا الجرو أن الزير لدغته أفعى فمات على إثرها، فأحس سالم الزير بما عزما عليه العبدين فقال لهما قبل أن تقتُلاني أبلغا أهلي هذا البيت " من مُبلغ الحَيين أن مهلهلاً ..لله دركما ودر أبيكما "
بعدها قام أحدهما وطعنه بخنجر مات على غراره، وذهبا إلى الملك الجرو يخبرانه أن الزير مات بسم أفعى وهو ينشد هذا البيت:
" من مُبلغ الحيين أن مهلهلاً ..لله دركما ودر أبيكما "
فلم يفهم الجرو معناً واضحاً للبيت وتعجب لأن الزير كان شاعراً عظيماً لا يقول مثل هذا الكلام الخاوي، وبينما هو حائراً إذ قامت أخته اليمامة بروعة جنانها وفصاحة شاعرة تُنشد:-
من مُبلغ الحيين أن مهلهلاً **أضحى قتيلاً فى الفلاة مُجندلا
لله دركما ودر أبيكما **لا يبرح العبدان حتى يُقتلا
فقال الجرو إن الزير لا يقول ذلك الشعر الركيك الذي قُلتماه وأمر بالقبض عليهما وقتلهما.
وهنا تنتهي أحداث حرب البسوس وقصة الزير سالم، بعدها كانت تتجهز قبائل العرب وتتحالف لمواجهة جيش أبرهة الأشرم الحبشي الذي جاء بجيشه ليهدم الكعبة في الواقعة الشهيرة بواقعة الفيل، وهو نفس العام الذي كان فيه مولد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم -.
اقرأ في: قصة البراق وليلى العفيفة
اقرأ في: نسمات من مَولِد الرسول
اقرأ في: هل يدخل والدي الرسول الجنة أم النار
اقرأ في: من هم قريش
اقرأ في: ملامح قبل مَولد الرسول
ضع تعليقك هنا لتشارك في صنع المحتوى